بقلم :جاسم راشد الشامسي
بتوجيهات شفوية من السلطة الأمنية في الإمارات,خاطب المصرف المركزي عبر البريد الالكتروني مصارف الدولة المختلفة بسرعة تجميد حسابات الخونة وأصحاب الفتنة والاخونجية سواء أكان حساب المعتقل نفسه ,أو أُمّاً قد غاب عنها ضناها,أو زوجة وَفيّة مخلصة واجهت الجميع لصيانة غيْبة زوجها, أو إبنا جلداً بارّا, أو أخا مُعينا,أو تاجرا حرا مناصرا, ,أو حتى طفلا قاصرا عائلا ,وكل ناشط وطني حر متفان,ذلك لأن كل من سبق يمثلون تهديدا إجراميا يقض مضاجع الدولة,الأمر الذي يحتّم اتباع سياسة زعماء قريش الجاهلية بفرض حصار اقتصادي شامل لكسر إرادة محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه.قاومْت مشاعري وأبحرتُ بالذاكرة نحو 1400 عاما أو أكثر لأستحضر تلك الصحيفة التي علّقها زعماء قريش في بطن أطهر بيت,وفي أشرف البقاع ,وكانت غايتهم الحصار الشامل لتلك الفئة المسالمة الحرة بقيادة سيد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم,وتضمنت مفاهيم جديدة خالفت أعراف وتقاليد وقيم العرب حيث الكرم والمروءة ,وانتهكوا حرمة شهر ذي الحجة أحد الأشهر الحرم لديهم,واستباحوا حرمة مكة الآمنه البلد الحرام,ولا أهمية لكل ذلك إذ كان المشهد يتعارض مع مصالح زعمائهم ومستبديهم.
اجتمع كبراء وزعماء قريش وتفننوا في حصار أحرار مكة ولبّسوا على أهلها, وضللوا شعبها,وخوّفوا الخلق من تلك الفئة الحرة,واستثمروا حرمة الكعبة لزرع صحيفتهم المأكولة,فكان القرار حصار اقتصادي لكل من آوى ذاك الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم وإن كانت قبيلتة خير القبائل وأعزّها وأشرفها.
وقّعوا الصحيفة وبانت سوءتهم فقد شملت مايلي:”أن لا يناكحوهم -لا يزوّجونهم- ولا يتزوجون منهم، وأن لا يبايعوهم، لا يبيعون لهم ولا يشترون منهم، وأن لا يجالسوهم، ولا يخالطوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، ولا يكلموهم، وأن لا يقبلوا من بني هاشم وبني المطلب صلحًا أبدًا، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يُسلموا رسول الله لهم للقتل!”وقد بلغ الجهد بالمحاصَرين حتى كان يسمع أصوات النساء والصبيان يصرخون من شدّة الجوع،وأضحت أوراق الشجر زادهم،وجلود الإبل صيد ثمين،ثلاثة أعوام كاملة من الظلم والقهر وانتهاك حقوق الفكر والإنسان،دون تحقيق الغاية ودون إبادة الفكر,والأمر المؤسف أنه مازال عدد من الأنظمة العربية تستجلب ذاك الاختراع القرشي,وما برح الزمان يجود علينا بأشباههم .
لا أكاد أصدق أن التاريخ سيسجل علينا أنّا تطوّقنا بمفاهيم جاهلية سخر منها القاصي والداني,ولا تكاد تصدق عَيْني وهي ترصد خطابات المصرف المركزي لتنفيذ ذلك الحصار الاقتصادي والمالي القاسي دون الإلتزام بقوانين الدولة وإجراءات تجميد حسابات الأفراد والشركات.
أدري أن تلك الممارسات حاضرة أمام كل من يواجهة سلطة مستبدة لا تعي إلا منطق القوة والنفوذ,ولكن إن كنتُ أعذر جاهلية قريش على تلك الممارسات المنتهكة لحقوق الإنسان فلم أجد عذرا واحدا لسلطات الإمارات, التي انتهكت رُزْمة هائلة من حقوق البلاد والعباد.
لم يعد المرء قادرا على تحمل ذلك الصمت المعيب من أطياف المجتمع المختلفة نُخبُه, مسئولِيه, قبائله, مثقفيه, تجّاره, سلطاته التشريعية,ذلك أن قريش تلك القبيلة الموقعة على الصحيفة المنتهكة لأعراف وتقاليد ومبادئ شعبها, تمخض عنها خمسة من المشركين الأحرار بقيادة الحر هشام بن عمرو توحّدوا لإنكار الظلم والدفاع عن حقوق الإنسان فرفضوا تلك الصحيفة,وانضافت إلى تلك الانتفاضة المحدودة معيّة الله فقد أوحى الله إلى نبيّه أن الأرَضَة(دودة الأرض) قد أكلت الصحيفة،ولم تترك فيها إلا ما كان من اسم الله,فأين رجالات وقبائل وأصحاب المروءة من أبناء الوطن ليصرخوا كما صرخ هشام بن عمرو ويقولوا: كفى فرائحة انتهاكاتكم وظلمكم أزكمت أنوفنا.
لست قَلِقا من عواقب ذلك الخناق المالي فقد تم تضييق الخناق على أفراد دعوة الإصلاح وأحرار الوطن منذ زمن,ونعلم أن هناك مخارج ومنح ربانية للتغلب على ذاك الحصار,فهو الذي يدبّر الأمر ويرزق الظالم والمظلوم,الأمر الذي يدعوني إلى نصيحة أخواني أحرار الإمارات إلى مواجهة ذلك الأمر بعزم وثبات,ومواصلة الكفاح السلمي المشروع لنيل حرية وكرامة الشعب ,فهذا قدَرُنا نتوجه به إلى الله لنتلقف قدر آخر أبرز سماته العيش بحرية وكرامة وسيادة القانون لا شريعة الغاب.
ما أود أن أنتهي إليه أن الحَميّة والمروءة ضالّة الأمم وفقدها مصيبة عظمى,وفرصة للمستبد أن يُصَعِّد من انتهاكاته للأعراف والمبادئ والقيم والقوانين,وإن كنا نعيب على انتهاكات قريش وجاهليتها, لكن لم يتخلى بعض أبنائها عن تلك الحمية والمروءة التي حررت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم,وياليت هذه الحمية والمروءة تعود بعد أن فُقدت لدى جزء من شعب الإمارات الحبيب, وقديما قيل:لا خيْرَ في رَزَمَةٍ لا دِرَّةَ معها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق