الخميس، 31 يناير 2013

قصة بليغة


يحكى أن ملكًا ظالمًا مستبدًّا، ضاق ذرعا برجلٍ من الصالحين من رعيته، فأراد أن ينكِّل به ويضيّق عليه، فأمر بحبسه، وبعد فتره أرسل أحد رجاله إلى السجن لينقل له الحالة التي عليها هذا الرجل الصالح، ليتلذذ الملك ويفرح بما عليه الرجل الصالح من ضيق وكرب بعد سجنه، ولما وصل رسول الملك إلى السجن وجد الرجل الصالح في محبسه آمنًا مطمئنًا فرحًا مسرورًا، فاندهش مندوب الملك لهذه الحالة، وسأله: ما سبب سعادتك وأنت في حبس وضيق؟
 
 فقال له الرجل الصالح: إني أتناول كل يوم دواءً مكونًا من سبعة عناصر يجعلني كما ترى، فسأله وما هذا الدواء وما عناصره؟ قال الرجل الصالح:
العنصر الأول: أني أثق بربي ثقةً مطلقةً تجعلني أطمئن إلى كل ما يقدره لي سبحانه هو خير، وإن بدا لي أنه شر:
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216 البقرة.
 العنصر الثاني: أني أعلم أن أقدار الله نافذة ولا مفرَّ منها، وأنه لا راد لقضائه، فوجب عليَّ أن أرضى بقضاء الله ولا أتبرم منه.
 العنصر الثالث: أني علمت أن ما أنا فيه هو امتحان من الله، وأن النجاح فيه يكون بالصبر والاحتساب. وأملي كبير أن الله سيعوضني عن هذا خيرًا، سواء في الدنيا أو الآخرة؛ ولهذا يذهب عني الضيق والقلق وأعيش في سجني مطمئنًا.
 العنصر الرابع: أني أيقنت أنه إن لم أصبر فماذا يفيد الجزع والحزن والغضب؟ وأن الجزع وعدم الصبر سيجعلان الهم الواحد همومًا كثيرةً، ويجعلان صاحبهما في قلق دائم واضطراب مستمر، فلا يستريح في نومه أو يقظته، ولا يستمتع بطعامه وعبادته.
 العنصر الخامس: أني علمتُ أنه ربما كنتُ أتعرض لبلاء أشد مما أنا فيه، فأحمد الله على ما أنا فيه من بلاء، وكما يقولون (مَن عرف بلاء غيره هان عليه بلاؤه)؛ ولذلك أنا مطمئن.
 العنصر السادس: أن مصيبتي ليست في ديني؛ لأن المصيبة الحقيقية تكون في دين المرء، بأن يكون على ضلال أو فسق أو كفر، وفيما عدا ذلك من مال وولد وبدن فكلها مصائب هينة وآثارها أقل بجانب مصيبة الدين، وهذا ما جعل حبيبنا المصطفى يدعو ربه فيقول:
"اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا".
العنصر السابع: أني في انتظار فرج الله بين لحظة وأخرى؛ لأني على يقين أن الأمور كلها بيد الله، وأن دوام الحال من المحال، وأن أشد ساعات الليل ظلمة قبيل الفجر، وأن مع العسر يسرًا، وهذا كله يجعلني كما ترى.
 
 فلما عاد المندوب إلى الملك وحكى له ما دار بينه وبين الرجل الصالح، والحالة الطبيعية التي عليها الرجل، فاغتاظ الملك مما سمع وقال: "أخرجوه فلا حيلةَ لي معه ومع أمثاله". انتهت القصة.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق