الخميس، 25 أكتوبر 2012

نصرة المعتقلين فريضة شرعية وضرورة وطنية



يعاني القابعون خلف القضبان مرارة السجن والسجان ، حيث تجاوزت الانتهاكات بحق المعتقلين كل الخطوط الحمراء بأشكالها وأنواعها وعلى جميع الصعد، فما زالوا يمنعون من حقهم بزيارة أهلهم ،وتكليف محامين للدفاع عنهم، وكذلك سياسة العزل الانفرادي القاسي، حتى أن معظمهم لا يعرف حقيقة التهم الكبيرة التي ألصقت بهم ، إلي قائمة لا تنتهي من التجاوزات والانتهاكات كمنع إدخال الأدوية واللوازم الشخصية والكتب وغيره مما لا متسع لذكره .
لا شك أن نصرة هؤلاء المعتقلين واجب شرعي ووطني ، كيف لا وهم الذين أفنوا أعمارهم وزهرة شبابهم من أجل خدمة الدولة والمساهمة في بناء صروحها الحضارية.

قال الإمام القرطبي : " فداء الأسرى واجب وإن لم يبق درهم واحد . وقال ابن خويز منداد : وردت الأثار عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه فك الأسرى وأمر بفكاكهم وجرى بذلك عمل المسلمين وانعقد به الإجماع " . ومن هذه الأخبار ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فُكُّوا الْعَانِيَ يَعْنِي الْأَسِيرَ وَأَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ " .

وتتجلى عظمة الإسلام وروعته أن الأمر بفك الأسرى لم يكن قاصراً على المسلمين بل تعدى أهل الذمة من اليهود والنصارى الذين هم في حوزة الدولة الإسلامية . وهذا الأمر لم يبق في إطاره النظري بل مارسه المسلمون في تاريخهم عملياً . فقد جاء في الرسالة القبرصية للعلامة ابن تيمية وذلك في معرض بيانه لمسلك المسلمين في معاملة أسرى أهل الذمة معاملة الأسرى المسلمين من حيث السعي لفكاكهم . قال رحمه الله : " وقد عرفت النصارى كلهم أني لما خاطبت التتار في إطلاق الأسرى وأطلقهم " غازان " فسمح بإطلاق المسلمين ، قال لي : لكن معنا نصارى أخذناهم من القدس فهؤلاء لا يطلقون فقلت له : بل جميع من معك من اليهود والنصارى الذين هم أهل ذمتنا فإنا نفتكهم ولا ندع أسيراً لا من أهل الملة ولا من أهل الذمة وأطلقنا من النصارى ما شاء الله " . 

هذا وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم  بفكاك الأسرى وبادر هو بنفسه إلى فكاكهم وذلك ليتعلم المسلمون من بعده أنه لا يجوز لهم أن يسكتوا عن أسراهم في أيدي أعداءهم ، بل يجب عليهم بكل الوسائل أن يبادروا إلى فكاكهم . فقد أخرج الإمام مسلم وأبو داود من حديث سَلَمَةَ  قَالَ : " غَزَوْنَا فَزَارَةَ وَعَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَلَمَّا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَاءِ سَاعَةٌ أَمَرَنَا أَبُو بَكْرٍ فَعَرَّسْنَا – نزول المسافر آخر الليل -  ثُمَّ شَنَّ الْغَارَةَ فَوَرَدَ الْمَاءَ فَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ عَلَيْهِ وَسَبَى وَأَنْظُرُ إِلَى عُنُقٍ – الجماعة من الناس -  مِنْ النَّاسِ فِيهِمْ الذَّرَارِيُّ فَخَشِيتُ أَنْ يَسْبِقُونِي إِلَى الْجَبَلِ فَرَمَيْتُ بِسَهْمٍ بَيْنهُمْ وَبَيْنَ الْجَبَلِ فَلَمَّا رَأَوْا السَّهْمَ وَقَفُوا فَجِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ وَفِيهِمْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ عَلَيْهَا قَشْعٌ مِنْ أَدَمٍ قَالَ الْقَشْعُ النِّطَعُ مَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا مِنْ أَحْسَنِ الْعَرَبِ فَسُقْتُهُمْ حَتَّى أَتَيْتُ بِهِمْ أَبَا بَكْرٍ فَنَفَّلَنِي أَبُو بَكْرٍ ابْنَتَهَا فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا فَلَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّوقِ فَقَالَ يَا سَلَمَةُ هَبْ لِي الْمَرْأَةَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ لَقَدْ أَعْجَبَتْنِي وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا ثُمَّ لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْغَدِ فِي السُّوقِ فَقَالَ لِي يَا سَلَمَةُ هَبْ لِي الْمَرْأَةَ لِلَّهِ أَبُوكَ فَقُلْتُ هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاللَّهِ مَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا فَبَعَثَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَفَدَى بِهَا نَاسًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا أُسِرُوا بِمَكَّةَ " .

وهذا الحديث يظهر لنا مدى العناية التي أولاها الإسلام لقضية الأسرى ، حيث جعل استنقاذهم واجباً بالقتال أو الفداء بالمال أو بأي وسيلة متاحة . ولقد جسَّد الفاروق عمر رضي الله عنه هذا المفهوم حيث قال : " لئن أستنقذ أسيراً واحداً من المشركين خير لي من جزيرة العرب " . وها هو الخليفة المعتصم يسيِّر جيشاً إلى بلاد الروم من أجل استنقاذ امرأة مسلمة كانت قد استغاثت بالمعتصم . وقد نقل سعيد بن منصور في سننه صورة رائعة عن الخليفة عمر بن عبد العزيز في عنايته بهذه القضية .

فعن عبد الرحمن بن أبي عمرة قال : لما بعثه عمر بن عبد العزيز لفداء الأسارى ، أسارى المسلمين في القسطنطينية ، قلت له : أرأيت يا أمير المؤمنين إن أبوا أن يفادوا الرجل بالرجل ؟ كيف أصنع ؟ قال عمر : زدهم . قلت : إن أبوا أن يعطوا الرجل بالاثنين . قال : أعطهم ثلاثاً . قلت : فإن أبوا إلا أربعاً ؟ قال : فأعطهم لكل مسلم ما سألوك ، فوالله لرجل من المسلمين أحب إليَّ من كل مشرك عندي ، إنك ما فاديت به المسلم فقد ظفرت ، إنك إنما تشتري الإسلام . يقول عبد الرحمن بن أبي عميرة : فصالحت الروم عل كل رجل من المسلمين رجلين من الروم .
 هذه من النماذج الرائعة في الحضارة الإسلامية والتي ترسم لنا صورة عن مكانة الإنسان في المجتمع الإسلامي ، ولكن للأسف الشديد نحن نعيش الآن في زمن هان فيه على الأمة دينها لذا هان الإنسان .
كما أنه مطلوب من الأمة رعاية هؤلاء الأسرى داخل سجنهم ، ورعاية أسرهم وأولادهم وتوفير الحياة الكريمة لهم من طعام وشراب وملبس وتعليم ورعاية صحية ولنذكر في ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من جهز غازياً فقد غزا ، ومن خلف غازياً في أهله فقد غزا) .

واجب المسلمين نحو المعتقلين

 عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني) والعاني هو الأسير، أخرجه البخاري في صحيحه. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فدا أسيراَ من أيدِى العدو، فأنا ذلك الأسير) أخرجه الطبراني، وقال الهيثمي: رجاله ثقات. وعن عُمَرَ بنِ الخطّاب قال: (لأَنْ أَسْتَنْقِذَ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ جِزيرَةِ الْعَرَبِ) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف.
 إن العناية بالأسير وفك رقبته واستنقاذه من الأسر ليس إلا لوناً من العناية بالفرد في الجماعة المسلمة وخصوصا إذا كان هذا الفرد المسلم في حالة استضعاف واضطهاد كحالة معتقلي دعوة الاصلاح وهي حالة توجب على كل حر من أبناء الدولة السعى بكل الطرق لتخليصهم من أيدى الذين يسومونهم سوء العذاب ويفتنونهم عن التزامهم الاسلامي.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق