الاثنين، 29 أبريل 2013

قراءة في مقال من أجل كرامة المواطن للمعتقل الشيخ القاسمي بعد عام من الكرامة


بعد مرور عام من اعتقال الشيخ الدكتور سلطان بن كايد القاسمي كان جديراً القراءة بعمق في المقال الذي تسبب بإعتقال أحد أفراد الأسرة الحاكمة ورئيس دعوة الإصلاح ، والإنقلاب الأمني على وجهات القبيلة والشخصيات الاعتبارية داخل الدولة.

يختصر الدكتور القاسمي المطالب الإصلاحية الموقعة في عريضة الإصلاحات مارس2011 بكتابة العنوان أعلاه " من أجل كرامة المواطن ". أختصار الشيخ القاسمي للعنوان يبحث حجم التضحية التي تقدمها جمعية الإصلاح من أجل كرامة المواطن وعزتها ورفعتها . العنوان يوحي بكل الطرق المؤدية إلى أن القادم من الاعتقالات وبقائنا في السجون وسحب الجنسيات السبع عن أعضاء الجمعية كان ضمن الهدف العام للجمعية (كرامة المواطن ).

ألم وأمل

يحمل العنوان في قلبه معاني "الألم والآمل" فهو يتألم من أجل المواطنين السبعة المسحوبة جنسياتهم وفي ذات الوقت يعيّ الشيخ القاسمي أن الأمل بالإصلاح يسير في طريق صحيح ولذلك بدأ مقاله بالآية (إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب). الآية تحمل المعاني أن ما يتم عمله وتقديم التضحيات هو من أجل الإصلاح ما أستطاع أعضاء الدعوة إليه وتقديمه فداء للوطن وللقاطنين فيه من المواطنيين .

يقول الدكتور القاسمي, (....ولعل أبرز الساحات التي يتضح فيها هذا الحراك هي ساحة الانترنت، التي تحولت إلى ميدان التحرير الافتراضي لشباب الإمارات للدفاع عن حقوقهم المدنية.) المتابعة المتأنية للواقع الإماراتي على شبكة التواصل الاجتماعي يؤكد أن المطالبات بالإصلاحات كانت نتيجة لمطالبة شعبية استشعر الجميع في دعوة الإصلاح مع رفقائهم في النضال السلمي من أجل الحقوق والحريات ضرورة تقديم عريضة الإصلاحات. الإبتداء بالمقال بعد الآية الكريمة يؤكد أن الانطلاق الديني من واجب الإصلاحات يأتي مع قبول شعبي وبلوغ السفّه الأمني مبلغاً عظيماً لايمكن الوقوف ضده . 


 وقفة متأنية 
ويبدأ الشيخ القاسمي تحليل هذا الحراك المجتمعي بالقول " وقد انقسم الحراك على جبهتين متضادتين، جبهة ترى عدم جواز إسقاط الجنسية عن هؤلاء السبعة، ويقود هذه الجبهة مجموعة من رجالات المجتمع من أطياف فكرية متنوعة ومن ضمنهم دعاة الاصلاح السبعة. وجبهة أخرى ترى وجوب الانصياع التام للمرسوم وأن هؤلاء السبعة يستحقون هذه العقوبة وإن كانت قاسية، ويقود هذه الجبهة مجموعة على رأسها جهاز أمن الدولة وخاصة المسئولين عن محاربة التيارات الفكرية المجتمعية".

ويرّد المقال على الجهة الأخرى التي ترى وجوب الإنصياع بالقول"إن وقفة متأنية أمام هذا الحدث تبين فداحة خطره على واقع ومستقبل دولتنا الغالية، فالوطن بالمعنى المجرد يتكون أساساً من أرض وبشر، وإن اللحظة التي نفرط فيها بواحد من البشر من إخواننا مواطني هذه الأرض الطيبة، لا تختلف عن اللحظة التي نفرط فيها بقطعة من أرض الوطن. فمن يحمي أرض الوطن إلا الرجال الذين عشقوه وأيقنوا أن (من مات دون أرضه فهو شهيد). يؤكد الكاتب أهمية المجتمع الإماراتي كتلة واحدة متراصة للحفاظ على الأرض الطيبة وأن جمعية دعوة الإصلاح تدرس الواقع بشقية الوطني و السياسي فلا يمكن أن تلّغي السياسية حق المواطنة ولذلك ومن معرفته بهؤلاء المواطنين السبعة المسحوبة جنسياتهم يؤكد أنهم يعشقون هذه الأرض-الإمارات- وسيموتون من أجلها . يوضح ويؤكد في ذات الوقت أن دعوة الإصلاح مستعدة للدفاع عن أراضي الإمارات بوطنية لامثيل لها.

يعرّض المقال صوراً من الحالة التي تمر بها الدولة في ذلك الوقت وبعد إسقاط الجنسيات عن المواطنين السبعة فيقول " إن الموت أهون على الإنسان من أن تسقط جنسيته، ثم يتبع ذلك بحملة إعلامية شعواء لتشويه صورته، وأي جانب من الصورة؟ إنها ولاءه لوطنه، وطنه الذي يفديه بالغالي والرخيص. يا ترى ما هو مقدار الهم والهوان الذي أصاب أهل أولئك السبعة وأبنائهم؟ بل يا تري ما هو شعور أبناء قبائلهم ومثيلاتها الذين وصفوا بأنهم ليسوا من "الأصلاء" أو من "رس" البلد؟ كيف سيأمنون سيف السلطة المسلط عليهم؟ وكيف سيساهمون في بناء الوطن والتضحية من أجله؟".

 من المسؤول؟

وبعد السرّد المنطقي لإنتهاك القرار بحق الوطن والشعب والدستور والحاكم يكشف المقال عن المسؤول الأول عن هذه الخروقات الوطنية بالقول" إن جهاز الأمن الذي تبنى هذا القرار الجائر لتقديمه أمام صاحب السمو الوالد الشيخ خليفة حفظه الله، لا يؤتمن أن يتبنى غداً أي قرار آخر غير محسوب العواقب على أمن الوطن وكرامة المواطن.".

وحذر المقال من الإنجرار إلى دوامة عنف أخرى بحق الحقوق والحريات ويؤكد حديث الكاتب عن جهاز الأمن يتخذ قرارات غير محسوبة العواقب فقد بدأ بالفعل بإنتهاك هذه القرارت اتباعاً بإعتقال الدكتور القاسمي واعتقال العشرات من الناشطين في دعوة الإصلاح ودشن جهاز الأمن خط كبير من الاعتقالات وتعذيب المعتقلين وبعد مرور عام من كتابة المقال وكاتبة يوجد في السجن مع 93 ناشطاً بينهم 20 معتقل لم يتعرضوا للمحاكمة ويقبعون في سجون سرية و8 ناشطات خارج السجون بكفالة ؛ حذر المقال من الظلم الذي وصل الآن إلى نسبة أكثر من المعقول ووصلت سمعة الدولة إلى حضيض بسبب تلك الانتهاكات بحق المعتقلين .

وفي نظرة للمستقبل القريب يقول القاسمي " وإن الظلم الذي أصاب هؤلاء السبعة يمكن أن يتوسع وتتعدد أشكاله ولا يسلم منه أحد، كبيراً كان أو صغيراً. وحينها، لا قدر الله، سيقول القائل: "أكلت يوم أكل الثور الأبيض". فليس للظلم حدود، وكلما اغتصب قطعة زادت شراهته لاغتصاب قطعة أخرى. وإذا استمر تقديس القرارات الخفية لهذا الجهاز فسيأتي غداً على جميع مكتسبات الوطن في حرية الإنسان وكرامته".

اسمعي ياجارة!!

يمتلك الشيخ الدكتور القاسمي نظرة بعيدة المدى للدولة ومستقبلها هذه النظرة هي ما أرعبت الجهاز الأمني وجعلته يتوقع أن تقلص هذه النظرة التي بالطبع تمثل جمعية دعوة الإصلاح وكل الشعب الطامح بالحرية والكرامة فلجأ الجهاز لإعتقال كاتب المقال بأسلوب قلَّ أن تجد له نظير في تاريخ الدولة منذ التأسيس.

كان المقال يتحدث بطريقة استلهام قضية المواطنين السبعة في الحديث أنها ضمن سلسلة الانتهاكات التي يتعرض لها الناشطون داخل الدولة ؛الكاتب يعيّ أن المقصد من تلك الحملة على المواطنين السبعة هي بالذات تطبيقاً لقول أحد الحكماء" أقصدك أنتي وأسمعي ياجارة " ، كان اعتقال الكاتب ونشر المقال قبل وصول أحمد شفيق ووصول عمرو سليمان وهلّم جرا من أولئك المرتزقة الأمنين القادمين من دول الربيع العربية فقال الدكتور القاسمي عن تحليل دقيق لأحداث الناشطين منذ بداية الانتهاكات بالقول " لعل قضية المواطنين السبعة الذين أسقطت جنسياتهم هي التي طفت على السطح هذه الأيام وأصبحت قضية رأي عام، ولكن الحقيقة أنها حلقة واحدة ضمن سلسلة من إجراءات التضييق والظلم الذي يمارس على جميع المؤسسات الأهلية والرسمية، ومن ضمنها دعوة الاصلاح المعروفة لدى الجميع بمنهجها الوسطي في التعامل مع شؤون الدين والدنيا، وذلك بدءاً بإغلاق جمعية الاصلاح والتوجيه الاجتماعي عام 1994 ومروراً بإبعاد أعضائها عن وظائفهم الحكومية ومنع أبنائهم من البعثات وإغلاق شركاتهم ووقف تسجيل بيوتهم الخاصة إلى غير ذلك من الأساليب التي يضيق المقام هنا على ذكرها. وكان موقف دعوة الاصلاح في الامارات تجاه هذه الممارسات هو تجرع الألم والصبر عليه والتواصل مع المسؤولين، أملاً في إعادة المياه إلى مجاريها وبناء صيغة للتفاهم مع المسؤولين وإبعاد أثر دسائس الحاقدين وكيد الشياطين. ولكن يؤسفنا أن جميع محاولات التواصل قد أوصدت أمامها الأبواب، واستمر مسلسل التضييق حتى وصل اليوم إلى سلاح إسقاط جنسية المواطنين وقذفهم بعدم الولاء لوطنهم".

 إهانة المواطن

كان واضحاً جداً أن قضية المواطنين السبعة أثرت بشرخ عميق في بنية الدولة وتلت تلك الاعتقالات الفجة تهدم بنية الدولة وتماسك المجتمع فأصبح المجتمع ينظر بفكي فم مفتوحين محاولاً الأستفزاز المقال حذر من هذا الوضع ومن الوصول إلى هذه الحالة بالقول"إن إسقاط جنسية المواطن بهذه الصورة لا يؤذي المواطنين السبعة فحسب، بل يهدد بنية الدولة وتماسك المجتمع بأكمله، ويهين كرامة المواطن أمام الجاليات الوافدة التي تجد خلفها دولاً تحافظ على حقوقها وكرامتها. فجنسية المواطن وولاءه لوطنه لا بد أن يبقى خطاً أحمر أمام تدخل أي مسؤول في الدولة ولا تستخدم في تصفية الحسابات بين الأطراف المختلفة، فإن الخلاف بين البشر أمر طبيعي وسيستمر إلى يوم الدين، ولذلك أكد الدستور على أن "المساواة والعدالة الاجتماعية وتوفير الأمن والطمأنينة، وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين من دعامات المجتمع".

لزوم التناصح

كان واجباً التوضيح لجهاز الأمن ومن يدور في فلكهم أن الزمان تغير وأن الشعوب أصبحت بوعيها بحقوقها بعد أنكسار الحاجز وهذا بالفعل ما أنتشر بعد ذلك من زيادة الوعي الجماهيري بأهمية الحقوق المنصوصة في الدستور والقانون فقال المقال" لقد تغير الزمان، وشعوبنا لم تعد بسيطة بدائية، وأصبح وعيها بحقوقها ليس كما كان في زمن الآباء والأجداد، وانكسر حاجز الخوف وانتهى، فلا نكسر حاجز الحب والاحترام بأيدينا، والامارات ليست كوكباً مستقلاً عن المحيط العربي الذي حولها، ولذلك لزم التناصح والتفاهم الناضج الجريء بين الراعي والرعية، "وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، هذا إذا أردنا بحق لوطننا الخير في الحاضر والمستقبل".

لابديل عن الوسطية

إن دعوة الاصلاح رغم ما تواجهه من عنت وابتلاء في سبيل دينها ووطنها والانسان الاماراتي الكريم، ستبقى متمسكة بمنهجها الوسطي المعتدل، حريصة على رضى الله عز وجل أولاً وأخيراً، ثم وطنها العزيز ثم قيادتها الرشيدة. ستبقى دعوة الاصلاح، كما كانت دائماً، باسطة يدها لأي مبادرة تحقق مصلحة الوطن، وذلك ليس من باب التفضل والمنة بل من باب الواجب والمسؤولية الشرعية والوطنية.

ولعلها المرة الأولى التي يطلق فيها الشيخ سلطان بن كايد القاسمي هذه الكلمات إلى من يهمة الشأن لأن الخطب جلل ولأن الدولة ومستقبلها في ذمتهم فيقول "

إنني بكلمتي هذه أخاطب:

أصحاب السمو حكام الامارات أعضاء المجلس الأعلى وأولياء العهود حفظهم الله ورعاهم جميعاً،

وعلى رأسهم صاحب السمو الوالد الشيخ خليفة بن زايد رئيس الدولة، صاحب القلب الأبوي الحليم والعقل الحكيم، صمام الأمان في هذه الدولة المباركة، حفظه الله وسدد خطاه إلى كل خير،

وإلى جميع العقلاء المخلصين الذين يصلون إلى مجالس أصحاب السمو ويثقون في حكمتهم،

وطلب المقال "أن يكون في هذا الحدث الجلل، حداً فاصلاً بين مهانة المواطن وبين كرامته، إننا بحاجة الى وقفة جادة عاجلة تعيد الحق الى نصابه، ومبادرة حكيمة توازن بين هيبة الدولة من جهة وكرامة المواطن من جهة أخرى." كانت المبادرة الأولى من قبل دعوة الإصلاح لإغلاق التوتر فقال المقال" مبادرة تعيد جنسية المواطنين السبعة الذين اسقطت جنسياتهم، وترد اعتبارهم، كما أنها لابد أن تتضمن علاجاً ناجعاً جريئاً لسبب المشكلة لكي لا تتكرر مرة أخرى في هذه الصورة أو صور أخرى، وذلك "بتحرير الحياة المدنية من الهيمنة الأمنية" والحد من الصلاحيات المطلقة لجهاز الأمن. كما لابد من وضع الأنظمة المحكمة التي تضبط هذا الجهاز المهم والرقابة عليه، واخضاعه للمساءلة القضائية النزيهة المستقلة، وذلك صيانة لكرامة الانسان في الدولة وحفظه من الظلم والمهانة".

كانت دعوة الإصلاح في هذا المقال أكثر حكمة ومرونة من التعامل الأمني وكان الشيخ سلطان بن كايد أكثر حكمة واستشرافاً للواقع لقد وضع كرامة المواطن في أولى الإهتمام وبإستباط الأحكام وضعنا على عين المستقبل الذي كان غامضاً وقتها ..لقد حذر أن التعامل الأمني سيورث المشاكل للدولة أكثر فأكثر وسيوقعها في بركة من الانتهاكات. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق