الخميس، 18 أبريل 2013

الإعلاميون بين قوسين


 بقلم :مولاي عمر بن حماد
مما لاشك فيه ولا ريب الدور الهام والحاسم الذي تسهم به وسائل الاعلام في التدافع الموجود في هذا العالم ، ولكن هذا الدور وحده لا يكفي لتبرير فعل كل شيء اختلافا وتزويرا وتحايلا واصطيادا ومكرا وتضخيما وبخسا .. واذا أردنا الانصاف لابد من حسن التموقع بين القوسين.
يستمر البحث والتنقيب عن تنزيل القوسين في شتى نواحي الحياة، ويتبين في كل مرة أن الأمر يتسع فعلا لكل ما سبق  وما يمكن أن يأتي بإذن الله تعالى ذلك أن الناس بدون استثناء وفي كل المجالات هم بين من يرقى لأعلى الدرجات وبين من ينحط لأبخس الدركات ويرشدنا القرآن لهذا المعنى في مواضع كثيرة ومن ذلك قوله تعالى:" وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً" (آل عمران : 75) ففي المعاملة الواحدة التي هي هنا الأمانة، وفي الفئة الواحدة التي هي هنا أهل الكتاب وجدنا من يؤدي القنطار ومن يخون الدينار.
الإعلاميون باعتبارهم بشرا ممن خلق؛ ليسو استثناء من القاعدة بل تشملهم وتشمل غيرهم. ولقد ارتقى الإعلام في عصرنا واستطاع أن يشكل سلطة حقيقية، بعضهم يجعله السلطة الرابعة وبعضهم يرفعه فوق ذلك، بل وسميت بمهنة المتاعب . ولكن للأمانة ففي كثير من المهن الأخر  متاعب أيضا، الإعلام  مهنة من المهن، وهي في جميع الأحوال لها متاعبها ولها مغانمها ، وأهلها فيهم من يتعب حقيقة وهناك من يُتعِب بضم الياء ولا يَتعب أبدا. وهناك من يرتع لا يَتعب ولا يُتعب بالضم والنصب مع جواز التقديم والتأخير.
ومما لاشك فيه و لا ريب؛ الدور الهام والحاسم الذي تسهم به وسائل الإعلام في التدافع الموجود في هذا العالم، ولكن هذا الدور وحده لا يكفي لتبرير فعل كل شيء اختلاقا وتزويرا وتحايلا واصطيادا ومكرا وتضخيما وبخسا.. وإذا أردنا الإنصاف لابد من حسن التموقع بين القوسين.
القوس الأول  للذين يستحقون كل التحية والتقدير لأنهم يقومون بدور التنوير ويتحملون في سبيل ذلك كل المتاعب. يبحثون عن المعلومة ينقبون عنها تنقيبا ويقدسونها تقديسا، يحترمون عقل القارئ أو المشاهد، ولذلك يصدق فيهم فعلا ما قصه القرآن عن الهدهد على زمن سليمان عليه السلام وهو يبرر غيابه :" فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ  إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ  وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ" (النمل: 22 - 24) وهو إلى هنا يقدم المعلومة الدقيقة أو النبأ اليقين دون تصرف ولا اختلاق، ثم له بعد ذلك أن يحلل كما يشاء كما في بقية الآية وهو ينكر عليهم فعلهم هذا :" وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ  أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ  اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ " (النمل : 24 - 26)
فلو أعدنا تدبر الآية لقادتنا إلى القاعدة المشهورة :" الخبر مقدس والتعليق حر" فالذين يلتزمون بهذه القاعدة وما في حكمها هم الإعلاميون المتميزون.
أما القوس الثاني فيمثله الجانب الآخر من الإعلاميين والصحفيين الذين توظفهم الجهات الممولة كما تشاء وهم أيضا جاهزون للخدمة يغيرون جلدهم ألف مرة ومرة. وإذا كان لابد من تشبيههم بالحرباء من حيث التلون أقرب إليهم، وإن كانت هي إنما تفعل ذلك حماية وهم يفعلونه تزلفا وتملقا. وإذا كان الشعراء قديما وحديثا قد سلكوا سبيل المدح لجلب المنافع العاجلة، وسبيل الهجو للضغط أو الانتقام وبلغوا في بعض الأزمنة أن صار لهم سلطان يخشاه كل ذي سلطان فكثير من الإعلاميين في زماننا هم بمثابة شعراء هذا الزمان وهم الذين يصدق فيهم قوله تعالى :" وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ  أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ  وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ " (الشعراء :224 227-) وسيبقى الاستثناء يصدق على الإعلاميين كما يصدق على الشعراء وعلى كل الناس وذلك قوله تعالى :" إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا"
وبين القوسين يمكن وضع كل الإعلاميين، ففيهم من يرتقي شهيدا من أجل الحقيقة، ومنهم من يصيبه دون ذلك أشياء وأشياء، ومنهم من ينحط ذليلا حقيرا وهو :" كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ  يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ " (الشعراء : 223).
وفي الأخير نعود لسورة الشعراء وقد وجدت خاتمتها كلها مما يصدق على حالنا الإعلامي وأحوالنا عموما ولذلك نقول ما قال الله عز وجل :" وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ "  (الشعراء : 227)





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق