السبت، 2 مارس 2013

سيكولوجية الطغاة والمستبدين



بقلم: ناصر أحمد سنه

- جمعت هذه الشخصيات صفات مشتركة مكنت علماء النفس والاجتماع من تصنيفهم تحت بند“ الشخصية البارانوية الملوثة بسمات سيكوباتية ونرجسية". عاش الشخص “البارانوي" في الغالب طفولة مضطربة تتسم بصعوبة إقامة علاقة ثقة دافئة مع أحد الأبوين أو كليهما، وفي معظم الأحيان تتسم الأم بالسيطرة والقسوة والتلذذ بمعاناة الآخرين. وفي أحيان أخرى تكون الأم عنيفة ومسيطرة والوالد ضعيف ومستسلم وفي هذا الجو الأسرى المضطرب الخالي من الحب والثقة يتعلم الطفل أنه لا أمان ولا ثقة ولا حب، وأن العالم المحيط به يتسم بالعدوانية والقسوة ولا مكان فيه إلا للقوى المسيطر المستبد.

- يتعلم الطفل/ الطاغية أن التعاون مع الآخرين غير مجدٍ ولا يعطى ثقته لأحد ومن هنا تنشأ جذور استبداده برأيه واستخفافه بكل من عداه فهو وحده الذي يملك الحقيقة المطلقة. وهذا الشخص حين يكبر يكون بالغ الحساسية لأية كلمة أو إشارة تصدر من الآخرين(حتى ولو بدون قصد) ويعطيها تفسيرات كثيرة تدور كلها حول رغبة الآخرين في مضايقته وإيذائه والحط من شأنه، فهو لا يعرف النوايا الحسنة، بل إن كل شئ بالنسبة له يحمل نوايا عدوانية شريرة من الآخرين.

- يحتقرالطاغية العواطف مثل الحب والتسامح والرحمة والتعاطف ويعتبرها نوعاً من الضعف في الشخصية، وتصبح القيم السائدة عنده: القوة والتفوق والتملك والانفراد بكل شئ، ويصبح الصراع عنده بديلاً عن الحب في كل علاقاته بالآخرين حتى أقرب الناس إليه.

- الشخص البارانوي يسخر كل إمكاناته ويستغل إمكانات من حوله في سبيل الوصول إلى مركز يمكنه من السيطرة والتحكم والانتقام والتشفي، فهو دائماً شديد الحسد، شديد الغيرة، لا يطيق أن ينافسه أو يطاوله أحد،وهو يبالغ كثيراً في تقدير ذاته وقدراته ولديه شعور بالعظمة والأهمية والتفرد، وفي المقابل يحط كثيراً من قيمة الآخرين ويسفههم ويميل إلى لومهم وإلصاق الدوافع الشريرة بهم. وفي بداية مشوار هذا الشخص البارانوي (مشروع الطاغية) يكتشف أن صفاته السابق ذكرها تجعله معزولاً عن الناس، ويشكل هذا عائقاً في طريق طموحاته وأطماعه الواسعة، فيبدأ في اكتساب بعض السمات السيكوباتية النفعية حتى يصل إلى ما يريد، فيتعلم الكذب والخداع والتظاهر بالمودة والاحترام والصداقة، وربما يتوشح ببعض القيم الدينية والأخلاقية ذات القيمة الاجتماعية والإنسانية العالية بغرض خداع الناس، أو يبدو في صورة الضحية المظلوم.


- الشخصية البارانوية شخصية متعالية متغطرسة ترى في الجميع أعداءً لها، وتتوقع النوايا السيئة والأفعال السيئة من الناس، لذلك فهي تتسم بسوء الظن وتلجأ إلى العدوان الاستباقي أو الوقائي وتبرر هذا العدوان بأنه لحماية نفسها أو غيرها من الإرهاب أو الأذى المتوقع من الغير (الأشرار دائما في نظرها)، وهذه الشخصية تحتقر الآخر وتسحقه إذا استطاعت وبالتالي فلن ترعى له حرمة أو كرامة ولن تأخذها الرحمة أو الشفقة بها لأنها تعتبر الجميع شياطين أو "جرذان"، أو حشرات صغيرة تستحق السحق والتعذيب والإذلال.

- بمرور الوقت يكتسب هذا الشخص/ الطاغية الصفات التالية:

-العجز عن الولاء الدائم للأشخاص أو المجموعات أو القيم الاجتماعية أو الدينية إلا بقدر ما تحقق له من مصالح ذاتية مرحلية، ثم سرعان ما ينبذ هذا الولاء ويدوسه بقدميه

- المبالغة في الأنانية فيسخر كل شئ لتضخيم ذاته.

ـ التبلد في الشعور مما يمنحه قسوة حتى على أقرب الأقربين له.

- عدم المسئولية، مما يدفعه لمغامرات خطرة العواقب.

- انعدام الشعور بالذنب، وهذا يجعله يتمادى في قسوته إلى آخر الطريق.

-القدرة على تقديم تبريرات ظاهرة الوجاهة والإقناع لما يقدم عليه من تصرفات.

إذا اكتملت هذه التركيبة الشخصية للطاغية واستطاع أن يحتل موقعاً قياديا، غالباً بالغدر والخديعة، فعندئذ يندفع هو ومن وراءه نحو حلم القوة والسيطرة والتميز والعنصرية. يستطيع الطاغية بما يملكه من قدرات وأحياناً كاريزما شخصية أن يقنع أتباعه الذين يحلمون بالبطل الأسطوري بأنه هو ذاك البطل الذي جاء ليقود العالم. هكذا يبدؤون في تمجيده ويغالون في ذلك إلى حد تقديسه فيصنعون له التماثيل والصور ويضعونها في الميادين العامة وفي كل مكان. وهو في سبيل استمراره في لعبته يمنى من حوله ويعدهم بالمستقبل الباهر والجنة على الأرض ويبالغ في تصوير قدراته وانتصاراته فتصدقه الجماهير ويعيشون جميعاً في سكرة الوهم حتى يفيقوا في لحظة ما لابد آتية على انهيار كل شيء.

- الشخصية السيكوباتية / المستهينة بالمجتمع Dissocial Personality، شخصية مضادة للمجتمع لا تحترم قوانينه ولا قيمه ولا أعرافه، وهي شخصية عدوانية لا تعرف الإحساس بالذنب أو الندم ولا تتعلم من تجاربها السابقة ولا تعرف الشفقة أو الرحمة أو العدل أو الكرامة، وكل ما يهم هذه الشخصية هو تحقيق أكبر قدر من اللذة حتى لو كانت هذه اللذة مبنية على أكبر قدر من الألم الذي يصيب الآخرين.

- يحمل الطاغية نفساً وضيعة فقيرة هزيلة خاوية، يستبد بها الرعب لأتفه الأسباب، وتراه يعاني الشكوى، والتذمر. يسعي لتعويض ذلك بالحصول علي الثروة، يجنيها بالإساءة والفساد والسرقة، دونما شبع. وكلما شعر بخواء لجاء إلى من حوله ليجد من يخضعهم لسلطانه، لأنه غير مكتفٍ بنفسه. فالمكتفي بنفسه لا يطغى، كونه يشعر بالاطمئنان وليس بحاجة إلى كثير دعم خارجي. إجمالاً.. يدخل الطاغية في دائرة مفرغة، ليصبح أشقي الناس، وإن بدا للناس غير ذلك.

- تنمي السلطة المطلقة ما لدى الطاغية من انحراف نفسي، ليصبح اشد الناس غدراً، وحسداً، وظلماً وفجوراً ، وليغوص في أحط الرذائل. لأنه أتعس الناس فهو يفيض على شعبه بما يعانيه من بؤس وذلة وفقر نفسي، وخبث ووضاعة وتهور.
- يندفع الطاغية نحو تحقيق الرغبات الهوجاء والصفات المنبوذة. تتملكه تلك الرغبات، وتبدو علي سلوكه وتصرفاته. فيتخذ من الجنوح والجنون مظلة لحراستها، ويقتل من نفسه كل اعتدال .

- حياة الطاغية سلسلة من أعياد اللذة، والمآدب والسرقات، وغيرها من الانحرافات. يعيش حياة بوهيمية بلا قيم وبلا مبادئ. يستبيح إراقة الدماء، وأكل الحرام، وارتكاب اي سلوك شائن ، لتسوغه قواه الداعية إلى الفوضى والاضطراب ، ويقود الدولة إلى مغامرات طائشة /أو دونية بادية.

- الطاغية لا يعرف الصداقة، ولا الإخلاص، ويغيب لديه الجانب الإنساني. فالناس كلهم يريدون الإطاحة به ، ولكن الأصدقاء وحدهم من يقدر على ذلك علناً. يسعي جاداً للقضاء على البارزين من الرجال، وأصحاب العقول النيرة أو تهجيرهم، واستئصال كل من حاول أن يرفع رأسه.

- يرافق الطاغية رفاق سوء، للسرقة والسلب واغتصاب أموال الشعب، فيحترفون الوشاية، والرشوة، وهذه أمور لا تذكر أمام جرائم الطاغية. تلكم الحاشية هي من تصنع الطاغية، خصوصاً إذا وجدوا بأعداد كبيرة. الشعوب إذن هي التي تصنع الطواغيت كما تصنع خلية النحل ملكتها من أصغر العاملات. كل ما تحتاجه حتى تصبح ملكة هو تغذيتها برحيق خاص. وفي عالم البشر يمكن لأي مغامر من أمة مريضة أن يقفز على ظهر حصان عسكري إلى مركز الصدارة والتأله. كل ما يحتاجه أمران: عدم التورع عن سفك الدم وتجنيد الأتباع بغير حساب.

جملة القول:

لما كانت علامات الخطر والإنذار واضحة في شخصية الطاغية، بل ويمكن التنبؤ بها في وقت مبكر اقترحت الجمعية العالمية للطب النفسي إجراء فحوص نفسية لمن يتولون مناصب قيادية على مستوى العالم تحت إشراف الأمم المتحدة بواسطة لجان علمية محايدة، لتجنيب العالم شرور مثل هذه الشخصيات المضطربة التي تدفع الإنسانية ثمناً غالباً جراء سلوكها وخاصة إذا طال السكوت عليها حتى يستفحل خطرها. لكن في ظل المطامع الدولية يسكت الساكتون، وينافق المنافقون، وخنع الخانعون، ويدفع الثمن البلاد والعباد. لكن بدا أن الطغاة أضعف مما كنا نتصور، فبين أيام وأسابيع معددوه تم استئصالهم وإلقائهم في مزبلة التاريخ.



المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق