السبت، 9 مارس 2013

الدولة الأمنية

*حواس محمود

الدولة الأمنية تعبير دقيق عن حال الدولة الاستبدادية والدكتاتورية، وهي لا زالت موجودة وبخاصة في العالم العربي، رغم أن العالم قد مر بمراحل مفصلية هامة كالبيروسترويكا، التي اجتاحت الدول الاشتراكية وسقط على إثرها العديد من الدول الأمنية وجاءت الثورة المعرفية والتكنولوجية الكبرى، والتي أثرت على العديد من الدول بانفتاحها الديمقراطي على شعوبها. ولكن كل هذا لم يؤثر على الدولة الأمنية في العالم العربي، يقول المفكر العربي طيب تيزيني أن مبدأ الدولة الأمنية هو: ” على الجميع أن يفسد الجميع حتى لا تبقى فئة تكون الحامل الاجتماعي لعملية التغيير” وبحسب تعريف موسوعية ويكيبيديا الحرة: “هي دولة تمارس فيها الحكومة إجراءات قمعية صارمة ضد المجتمع تتحكم من خلالها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للشعب. وغالبا ما يتم ذلك من خلال شرطة سرية تعمل عادة خارج الحدود التي تفرضها الجمهورية الدستورية. الدولة الأمنية عادة ما تظهر مظاهر الشمولية والرقابة الاجتماعية، وعادة ما لا يوجد ما يميز بين القانون وممارسة السلطة السياسية من جانب السلطة التنفيذية”(1).

وهي تمارس التقييد والتضييق والملاحقة بحق الأفراد والجماعات بحجج وذرائع شتى، من قبيل أن الدولة تواجه تحديات خارجية، أو أن الذي يطالب بالديمقراطية وإلغاء الاستبداد يضعف من هيبة الدولة أو الأمة، وأن الشعب يجب أن يخضع للأحكام العرفية وقوانين الطوارئ.
تمارس الدولة الأمنية "التفكيك والفصل بين مكونات شعبها ومجتمعها، فهي مؤسسة محاربة للاندماج، وكل جهدها يتجه إلى تضخيم مؤسساتها الأمنية والقمعية لاستمرار الأوضاع على ما هي عليه ولوأد أية حركة اجتماعية تطالب بالعدالة والإنصاف " (2) "سكان الدولة الأمنية يعانون القيود المفروضة على التنقل، وعلى حرية التعبير عن الآراء السياسية" (3) والعمل والتجارة والتعليم والسفر (من خلال الترهيبات والمغريات) والتي تخضع لمراقبة شديدة أو قمع الشرطة والأمن. و”لعل بناء السجون والمعتقلات من أبرز سمة الدولة الأمنية التي تولي لهذا الجانب اهتماما كبير كونه يمثل العصا الطولى في احتجاز وإبعاد من تريد إبعادهم عن ساحة الحياة السياسية أو الاجتماعية بأي سبب مختلق، حيث كشف فريق من خبراء حقوق الإنسان بالأمم المتحدة عن تزايد كبير في عدد المعتقلات السرية بمختلف أنحاء العالم وخصوصا في الدول المنتهجة للنظام الشمولي” (4)

ملامح الدولة الأمنية
 
تتسم الدولة الأمنية بعدة ملامح تميزها عن الدولة اللاأمنية أو الديمقراطية ويمكن أن نذكر هنا أهم ملامح الدولة الأمنية : 
"أولا: رفض التداول السلمي للسلطة وجمع الصلاحيات في شخص فرد أو حزب واحد.”(5)
ثانيا: تعتمد الدولة الأمنية أيديولوجية شمولية ذات طابع عقائدي دوغمائي إيديولوجي مغلق تستند إلى التحشيد والتجييش والتحميس وتبث ثقافة إيديولوجية عمادها التلقين والحفظ والببغائية والعدمية الفكرية والعقلية والنقدية لكي تستطيع أن تسود وتسيطر على مقدرات البلد والمجتمع.
ثالثا: التركيز على (كاريزما) القائد الأوحد والحزب الواحد وعبارة (زعيم واحد) “(6) والقائد الملهم، ويتحول الحزب إلى رهينة بيد الرئيس فيأخذ الاهتمام الأوسع وبذلك تسهل عملية الاستبداد بالرأي والتصرف بمقدرات الدولة والمجتمع.
رابعا: السيطرة والاحتكار التام لوسائل الإعلام والصحافة والترويج للقائد وتلميع وجهه وترديد كلامه كمفكر وسياسي وداهية بالعلوم كافة، ويمنع المجموع العام من التعبير عن رأيه بحرية، وإن تم إفساح المجال لمثقف أو سياسي من خارج دائرة السلطة، فإنه يجب أن يتحدث بايجابية عن الزعيم، وإلا فانه لا يسمح له بأي نقد للزعيم أو لسياسات الدولة الأمنية وتشتغل الأبواق الإعلامية لتبيان الدولة الاستبدادية وكأنها جنة الفردوس على الأرض.
خامسا: ” إخضاع المؤسسة العسكرية ومفاصل القوة والدفاع، ومؤسسات المجتمع المدني إلى منهج الارتباط المباشر بشخصية الحاكم وترجمة سياساته عن طريق استخدام البطش والقسوة والتنكيل، ووضع قيادات مرتبطة بشخصيته مباشرةً وترهبه دون غيره، وتتملق للوصول إلى مرضاته بكل وسيلة. “(7)
سادسا: "الاقتصاد الموجه الذي يسيطر الحاكم به على مقدرات الشعب، ويتحكم بقوت الناس وأرزاقهم ليكون له اليد الطولى بزيادة العطاء لمن يواليه وتقليص وتضنيك متطلبات المعيشة لمن يغايره التفكير والتوجه. “(8)
سابعا: ” بناء مؤسسات شبه حكومية تابعة بشكل مباشر لشخص الحاكم ورأس الهرم السلطوي مهمتها تنفيذ الأجندة الخاصة للشخص المحرك لها حتى ضد الجهات الحكومية واستخدامها في حالات الضرورة أو في حال تراجع الجهات التنفيذية عن تنفيذ الأوامر غير القانونية. “(9)
ثامنا: "تطبيق المواد القانونية والدستورية بطريقة مسيسة، فتشدد في جانب وترتخي في جانب آخر وحسب أهواء السلطة”(10)، والقيام بشراء ذمم المحامين والقضاة واستخدامهم في محاكمة الوطنيين والشرفاء لاستصدار أحكام جائرة بحقهم بموجب محاكمات شكلية وصورية.
تاسعا : تجيد الدولة الأمنية فن اللعب على الداخل والخارج، تبين دائما من خلال وسائل إعلامها وأبواقها المتعددة سواء هذه الأبواق مؤسسات أو أشخاص من ضمن الدولة أو خارجيين (عرب أو أجانب)، تبين أن الخارج هو المهم أي توجيه الأنظار إلى الخارج وتحدياته، وهي تسيطر على مقدرات الشعب بشكل محكم، وإذا وجد عدو خارجي فإن الدولة الأمنية تقوم بالتركيز (عندما يطالب الشعب بالتغيير) على أننا أي الدولة الأمنية الشمولية مستهدفون، ونحن نواجه هجمة خارجية شرسة لذلك فان المطالب بالتغيير أو التنمية يوصم بالتواطؤ وخدمة الأعداء، وتحت هذه الحجة تم خنق المجتمع وأهملت التنمية وتخلفت المجتمعات وزج بالعديد بالسجون والمعتقلات، وأعدم البعض بتهمة الجاسوسية لإسرائيل حتى أن الأمن يهدد بعض المعارضين بتدبير تهمة التعامل مع الأعداء، وتحت موجة العداء للعدو الخارجي تمارس شتى العقوبات ضد العديد من المناضلين من أجل التغيير والديمقراطية دون أن يحدثوا أي ضجة إعلامية لصالح الدفاع عنهم ومطالبة الدولة الأمنية بالإفراج عنهم، على العكس من ذلك يذهبون إلى سجونهم بتغطية إعلامية معادية لهم لأن السلطات تشتري الإعلام الخاص من خلال الرشاوى أو التهديد. أما الإعلام الحكومي فهو إعلام الدولة الأمنية طبعا يروج لهذه ضد خصومها الديمقراطيين بالبلد.
الهوامش :
1- موسوعية ويكيبيديا الحرة.
2- – محمد محفوظ كتاب ” تحرير الديني ” اصدار دار الانتشار العربي – بيروت – لبنان بيروت ص 111.
3- ويكيبيديا الحرة مصدر سابق مذكور.
4- عدنان الصالحي ” الدولة البوليسية … بناء هش ونظام قلق ” عدنان الصالحي – صحيفة الأهالي البغدادية عدد 334 28-4- 2010 ص 7.
5-6-7-8-9 – 10 – صحيفة الأهالي البغدادية عدد 334 28-4- 2010 ص 7.

© منبر الحرية،18 أكتوبر/تشرين الأول 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق