بقلم :محسن الهاجري*
لغة الطمأنينة الدائمة التي كان يطمئن بها المسؤولون في دول الخليج
شعوبهم بأنهم "بخير دائماً" وأنهم في منأى عن أي ارتدادات عكسية لأي
هزّة أرضية تحدث في الجوار وفي منأى كذلك عن التأثر بانتشار أي فيروس جديد يصيب
العالم وأنهم غير متأثرين نتيجة الأزمة الاقتصادية التي ضربت الكثير من دول العالم
مؤخراً.. وآخرها أنهم غير متأثرين وفي منأى كذلك عن أي عواقب نتيجة اندلاع الثورات
العربية في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا والعراق.. هذه اللغة الرسمية اتضح بعد
ذلك أنها في كثير من الأحيان غير مدروسة بالشكل اللائق الذي يؤكد للشعوب مصداقية
حكوماتها فيما يتعلق بالأحداث المحلية أو العالمية.
فلقد
اهتزت المنطقة نتيجة الزلزال الذي ضرب إيران أكثر من مرة رغم تلك التطمينات من
الحكومات والمسؤولين!. وانتشرت الكثير من الفيروسات وتوفي بعض مواطني دول الخليج
نتيجة لإصابتهم بتلك الفيروسات الخطيرة رغم تلك التطمينات من الحكومات
والمسؤولين!. وتعرضت المنطقة لعواقب كبيرة وتأثيرات متعددة وخسائر فادحة نتيجة الأزمة
الاقتصادية العالمية أيضاً رغم تلك التطمينات من الحكومات والمسؤولين!. وتعرضت
المنطقة للكثير من الاضطرابات نتيجة اندلاع الثورات العربية في بعض الدول العربية
رغم تلك التطمينات من الحكومات والمسؤولين بأن دول الخليج لم تتأثر بتلك الأحداث!!
إن
المنطقة دخلت بشكل إجباري لا طوعي في عواقب كل الأحداث التي سبق الإشارة إليها
وأحداث أخرى لم تكن في الحسبان ليعلم أهلها بأنهم ليسوا بمنأى عن أي شيء في هذا
العالم المترابط المتفاعل والمتأثر بكل صغيرة أو كبيرة تحدث فيه وأن العصمة من ذلك
والنجاة تكون بالاعتصام بحبل الله جميعاً وعدم التفرق والتوكل على الله والاستغفار
الدائمين والعودة إلى الإسلام الصحيح والتمسك به فتلك سمات الفرقة الناجية في
الدنيا والآخرة.
إن الواقع ليؤكد أن أغلب دول الخليج أو جميعها تعيش في تناقض غريب عجيب
عن الواقع والأحداث التي تحدث حولهم في المنطقة العربية والعالم الإسلامي والعالم
بأسره، فمن لا يتأثر بالأحداث الجارية والثورات المشتعلة والتغييرات الحاصلة في
العديد من الدول هو إما متكبر متعال مغرور مزهو بنفسه.. يعيش على فرضيات خاطئة
وأوهام مغلوطة تشعره بأنه ليس كباقي البشر ولا تنطبق عليه نواميس الكون فهو مستثنى
من ذلك كلّه.. وإما أنه ميّت لا يشعر ولا يحسّ بمن حوله ولا يتفاعل مع الأحياء لأن
الحياة لا تدبّ فيه وفي جسده.
لابد لدول المنطقة أن تتفاعل مع الأحداث بمصداقية أكثر من ذي قبل وأن
تتغير لهجة الكبر والغرور والتعالي الذي تتحدث به بعض حكومات المنطقة التي تستبعد
تأثّرها بما يجري من أحداث حولها، وأن تتواضع وتعترف بأخطائها وأن تراجع حساباتها
فما يسري على دول قريبة منها قد ينتقل ويسري فيها، فالحرية والعدالة مطلبان
ينتشران في كثير من الدول التي حكمت شعوبها بالظلم والطغيان والقهر ومصادرة
الحريات فلابد أن تسارع الدول إلى الحرية والعدالة من باب الاتعاظ بما يجري
من دروس مجانية يقدمها التاريخ للحكّام والحكومات الظالمة من حولنا، فلا تزال شعوب
المنطقة تعاني من الإعلام الرسمي المصادر للحريّات والذي تستخدمه الحكومات لفرض
آرائها وقوانينها الجائرة أحياناً على الشعوب المغلوبة على أمرها، ولابد للحرية أن
تنطلق إلى أفق أرحب من ذي قبل.. وليس منّة للحكومات على شعوبها وإنما واجب عليها
تفرضه الوقائع والحقائق.. فالناس أحرار عقلاء ما لم يستثنَ من تلك القاعدة العامة
استثناء يستوجب الحجر على أفكار وآراء وأموال الناس والوصاية عليهم في شؤونهم
الداخلية والخارجية، فالمستقبل للشعوب ولإرادتها ومطالبها، ومن يقف ضد إرادتها
ومطالبها فكأنما يقف أمام عربة الحصان الجامح، ومن يقف ضد حريتهم في عبادتهم لربهم
عز وجل وتطبيق شرعه وخلافته في الأرض فكأنما يدخل نفقاً مظلماً كما دخله من سبقه
ممن دخلوا في عداء وصراع مع دين الله وعباده المؤمنين فلم يخرجوا منه أبداً.
المصدر : http://www.alsharq.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق