الاثنين، 27 مايو 2013

الشرخ السياسي والإجتماعي في الإمارات


بقلم:عدنان هاشم
الواقع أن حديث صحفي وباحث عن وضع داخل دولة سيبدو للوهلة الأولى أنه اعتداء ؛ هكذا على الأقل سيروج جهاز الأمن عقب نشر المقال ؛ بينما في الحقيقة إن الإنسانية ليس لها حدود وأعتقد أن السلطات الإماراتية عرفت حجم ذلك عندما تحدث العالم عنها وناقش ديفيد كامرون مع الرئيس الإماراتي في 30نيسان/أبريل الوضع وإصدار البرلمان الأوروبي قراراً في أكتوبر/تشرين الأول يدين هذه الحملة على الإنسانية والرأي والتعبير في الإمارات .

في الحقيقة كنت لا أريد أن أكتب عن الإمارات الآن ؛ لأنه أمر مخجل أن تمر تسع محاكمات للإصلاحيين داخل الإمارات ولا نتحدث عنها حتى بتغريدات متواصلة عن هذه الحالة الغريبة التي تمر بها الإمارات في محاكمة إصلاحييها ؛ حديثي في هذا المقال سيركز على منحيين أثنين للداخل الإماراتي الشق السياسي المترهل الذي أنتجه المجلس الوطني والإعتقالات على سواء والشق الحقوقي الذي حفرته انتهاكات جهاز أمن الدولة الإماراتية في صدور مواطنيها.

في الشق السياسي بالطبع أن أي دولة مرت بحالة الإمارات –لا نقصد سوى الإنتقال من الاستبدادية إلى الحرية- ستعاني من مخاض عسير نتذكر بذلك التجربة المرّه في الكويت مطلع الثمانينات وتجربة البحرين وتجربة تركيا وتجارب الدول من المحيط العربي أو من وسط آسيا . في العادة المباني واستقبال الوافدين لا تجلب الحرية معها طالما أن المواطنين لا يتحدثون عنها أو أن ملهاة البذخ المادي أوصلهم إلى أن نتيجة الحرية هي سحب البساط عن تلك الأموال التي كانت حقوقهم تعطى كهبات لهم وكأن الحالة تتحدث عن رعايا لدولة فقيرة حضروا لدولة مرتفعة الدخل فيقوم الوالي بإعطاء هبات لهؤلاء ؛لكن هذا الحديث يبدو ساذجاً إذا مانظرنا إلى الواقع ،فالحرية غريزة وضعها الله في الإنسان حتى لو كان عبداً –لانتحدث عمّن يعشقون العبودية فالإماراتيين ليسوا من هؤلاء هكذا علمونا وعلمنا الشيخ زايد وقرأنا عن حميتهم لأعراضهم وحقوقهم- .
خلال العامين الماضيين ابريل/نيسان 2011 وحتى ابريل /نيسان2013 كانت هذه الولادة المتعسرة للحرية داخل الإمارات ولازالت الولادة تمرُّ الآن بأحلك الظروف التي تمر بها ؛ قد تحتاج لعملية قيصيرية يودّع فيها من المعتقلين السجون لسنوات طويلة إذا لم يأتي أحد الحكام كطبيب ماهر ينقذ جنين الإصلاحات من الموت ووالدته من الوفاة ، ولن يتم إلا بمراجعة سياسيات الأمن السياسية تجاه الإصلاحيين ؛ الأمر لا يتطلب جهداً بقدر ما يحتاج للجلوس على الطاولة والحديث عن جذور المشكلة والمتسبب عن حجم القمع وعن سبب المطالبة بتلك الإصلاحات التي في الحقيقة بمراجعة القانون والدستور الإماراتي تجده حق أصيل من حقوق المواطن الإماراتي .

نعود للشرخ السياسي الحاصل في الإمارات ، بالتأكيد أن في الدولة شيوخ وحكام يؤيدون هذه المطالب التي تتحدث عن ضرورة وجود مجلس وطني (حقيقي)، وإيقاف جهاز الأمن عند خطوط حمراء ،(بغض النظر عن اتفاقهم مع المطالبين أو لا)، هؤلاء بالتأكيد يعانون من تشويش أمني عميق قد يستهدف بنية الدولة الأساسية وقد يستهدف مجلس الرئاسة في الإمارات ، عدا ذلك فهؤلاء المشوشون بدأو يدركون يوماً بعد يوم بأهمية غلق هذا الملف الموحش الذي لم تتضح تفاصيله بالنسبة إليهم –بسبب التشويش- ؛يتفقون بذلك مع جهاز الأمن وبعض الشيوخ الذين يرون في الإصلاحات (بأصلها) شراً مستطيراً قد يعصف بهم ، لكنهم ينظرون إلى غلقه بطريقة أمنية-تشبه الطريقة المصرية- تتمثل بإصدار أحكام على الإصلاحيين والتخلص منهم . في الحقيقة أن التفكير الأمني غباء وقد يفاقم الوضع أكبر ،والأطباء الماهرين من حكام وشيوخ الإمارات يعرفون خطر هذه الطريقة على النسيج الاجتماعي الذي تمزق بجزء كبير منه خلال الفترة الماضية.

هذا الشرخ السياسي في صنع القرار الإماراتي لا يتضح بالمرة في الدولة الملكية كالإمارات ،خاصة عندما تكون فترة التوحد قريبة بين الإمارات السبع ،والجيل التالي لجيل الآباء المؤسسين للدولة-تأسست الإمارات في 1974م- .فهم يبحثون في مناقشة ما يوحدهم لا ما يخالفهم ،رغم أن هذا الشرخ يتسع أكثر عندما تكون المقابلات ودية بين أي من الأطراف .

يعمق الشرخ السياسي (هذا) حالة الفوبيا التي أنتجتها أبوظبي لهؤلاء الإصلاحيين ؛ ومعرفة شيوخ وحكام الإمارات الأخرى مدى خدمة هؤلاء للإمارات ،ومدى أحقية الشعب بتأسيس مجلس وطني إتحادي قوي يمثلهم جميعاً ، والخروج من بوتقة التعيينات داخل الدوائر الممثلة للشعب . لذلك ليس مستبعداً أن يتدمر جزء من النسيج الاجتماعي وتبدأ حالة الاستقطاب المخابراتي خصوصاً الإيراني في الشارع لتجييشه ضد المناطقية والفئوية بين المواطنيين –ببساطة إيران لاتريد للإمارات أن تستقر سياسياً والتعنت الأمني يزيدها إصراراً على ذلك-.

في الشق الحقوقي الإنساني والوطني الإماراتي الاعتقالات والمحاكمات فتحت العيون أكثر على كيفية تعامل جهاز الأمن في الجهاز القضائي ، وكيف تحول القضاء بهذه السرعة إلى يد تتبع جهاز الأمن ؟!!! ؛ يبدو الأمر عجيباً في الحقيقة ؛لكن ليس عجيباً لهذه الدرجة التي يتصورها المواطن ؛ جهاز الأمن منذ إصدار تعميم الموافقة الأمنية في 2009 –موافقة لتعيين أي مواطن أو شخص داخل المؤسسات التابعة للدولة – يعرّف أنه سيحتاج القضاء يوماً ما ؛ بدأ من فترة طويلة بالتمهيد على هذا النحو .لن أشكك في المستشار فلاح الهاجري رئيس محكمة أمن الدولة بالمرة فهو جيد مقارنة بالآخرين رغم ما وضع المحكمة الذي يسمح لها بتطبيق القانون أكثر جرأة . لكن الجهاز يتحكم بأمر أكبر من الهاجري ، يتحكم بمختبر دبي لمضاهاة الأصوات ويتحكم بالتحقيقات ويتحكم بإدارة السجون ولن يسمح بفتح تحقيق بإدعاءات التعذيب . الأمر كما قال أحدهم "هذا الكلام أكبر من القضاء ذات نفسه !!".لو نظرنا إلى تاريخ تعيين القضاة الثلاثة في محكمة أمن الدولة وتأسيس المحكمة ومقرها الذي بنيّ أثناء الاتهامات سيتأكد أن جهاز الأمن درس الأمر طويلاً للوصول إلى هذه الشخصيات التي لايمكن أن تتجرأ على تقديم الاستقالة ولايمكن أن تسعى لتشويه الإمارات في حال تواجد الضغط الأمني ،وكل ذلك سينتج أموراً لاتحمد عقباها للسلطة القضائية والمواطن على المدى الطويل .

هذه الحقائق التي يعبر الشارع عن خيبة أمله في وجود حل قضائي عادل للمحاكمة قد يولد رغبة متعارضة عن حب الحكام المطلق وعن تسييس القضاء لهذه الدرجة من المرواغة والعبث بالمواطن الإماراتي ، بالتأكيد لن يتخلى المواطن عن حبه لحكامه هذا على الأقل ما أثبته المعتقلون المعذبون في سجون طيلة عام وتعنت طال أعوام مديدة .لكن قلوبهم تتأجج أكثر ضد جهاز الأمن مع كل التبريرات التي تقوم بها هذه الفئة للمواطن الإماراتي ؛لكن المواطن يعيّ أن هذه الوسائل لم تقدم شيء للمواطن ولم يضع جهاز الأمن أمراً طوال الأعوام الماضية إلا ضده وليس له علاقة إلا بالتحكم فيه وبمصدر رزقه .

في الحقيقة أن الشارع أكثر إيماناً بالمطالب بغض النظر عمن قدمها لرئيس الدولة ، هؤلاء بالتأكيد عبروا عن تطلعات الشعب لحقوقه لذلك هم يحتلون مكاناً خاصاً لدى المواطن الإماراتي وسيقف الشعب حقوقهم التي تتمثل في المعتقلين وعائلاتهم .

في النهاية أسمحوا لي أن أخرج عن النص التحليلي لأشكر ما تناساه المغردون والمنابر التي تتحدث عن هذه القضية ، أن أحييّ 13 إمراة رائدات في صناعة المجد لكل الخليجيين في الإمارات ، لم يتحدث عنهن أحد بالرغم أنهن يحضرن الجلسات ويتلقين نفس التهم ، وأن نشكر الماجدات من نساء المعتقلين وبناتهم أخواتنا اللواتي يصنعن حلوى الحرية بوضع فلذات أكبادهن وحبهن الأبدي (أزواجهن) في السجون ومعه الصبر. أتمنى ألا تذهب تحليلاتنا بعيداً عن قلوب تصنعها العاطفة وتقدم وطن الإمارات والخليج عن كل شيء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق